السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أخواتي؛ "سورة الفاتحة"
نقرؤها في كل صلاة وقد لا يعرف بعضنا معنى آياتها لذلك قررت أن تكون البداية من
"سورة الفاتحة" وقد اخترت "تفسير الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله
لِمَا فتح الله عليه به من معان في تفسيره للقرآن الكريم.
فمرحبا بتعاليقكم وآرائكم والله الموفق
لأقوم سبيل.
الدرس الثالث من دروس التفسير
تفسير
سورة الفاتحة "الآية الثالثة والآية ارابعة" (ابن عثيمن)
القرآن: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ)
القرآن: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
التفسير: قوله تعالى: {مالك يوم الدين} صفة لـ {الله}؛ و{يوم
الدين} هو يوم القيامة؛ و{الدين} هنا بمعنى الجزاء؛ يعني أنه سبحانه وتعالى مالك لذلك
اليوم الذي يجازى فيه الخلائق؛ فلا مالك غيره في ذلك اليوم؛ و"الدين" تارة
يراد به الجزاء، كما في هذه الآية؛ وتارة يراد به العمل، كما في قوله تعالى: {لكم دينكم
ولي دين} [الكافرون: 6]، ويقال: "كما تدين تدان"، أي كما تعمل تُجازى.
وفي قوله تعالى: {مالك} قراءة سبعية: {مَلِك}، و"الملك"
أخص من "المالك".
وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا
ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكاً اسماً وليس له
من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس؛ ولكن الرب
عزّ وجلّ مالكٌ ملِك.
الفوائد:
1) من فوائد الآية: إثبات ملك الله عزّ وجلّ، وملكوته
يوم الدين؛ لأن في ذلك اليوم تتلاشى جميع الملكيات، والملوك.
فإن قال قائل: أليس مالك يوم الدين، والدنيا؟
فالجواب: بلى؛ لكن ظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه، إنما يكون في
ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى ينادي: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول
تعالى: {لله الواحد القهار} [غافر: 16] ؛ في الدنيا يظهر ملوك؛ بل يظهر ملوك يعتقد
شعوبهم أنه لا مالك إلا هم؛ فالشيوعيون مثلاً لا يرون أن هناك رباً للسموات، والأرض؛
يرون أن الحياة: أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ وأن ربهم هو رئيسهم.
2) ومن فوائد الآية: إثبات البعث، والجزاء؛ لقوله تعالى:
(مالك يوم الدين).
3) ومنها: حث الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي
يُدان فيه العاملون
القرآن:) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ).
التفسير: قوله تعالى: {إياك نعبد}؛
{إياك}: مفعول به مقدم؛ وعامله: {نعبد}؛ وقُدِّم على عامله لإفادة الحصر؛ فمعناه: لا
نعبد إلا إياك؛ وكان منفصلاً لتعذر الوصل حينئذ؛ و{نعبد} أي نتذلل لك أكمل ذلّ؛ ولهذا
تجد المؤمنين يضعون أشرف ما في أجسامهم في موطئ الأقدام ذلاً لله عزّ وجلّ: يسجد على
التراب؛ تمتلئ جبهته من التراب. كل هذا ذلاً لله؛ ولو أن إنساناً قال: "أنا أعطيك
الدنيا كلها واسجد لي" ما وافق المؤمن أبداً؛ لأن هذا الذل لله عزّ وجلّ وحده.
و"العبادة" تتضمن فعل كل ما أمر الله به، وترك كل
ما نهى الله عنه؛ لأن من لم يكن كذلك فليس بعابد: لو لم يفعل المأمور به لم يكن عابداً
حقاً؛ ولو لم يترك المنهي عنه لم يكن عابداً حقاً؛ العبد: هو الذي يوافق المعبود في
مراده الشرعي؛ فـ "العبادة" تستلزم أن يقوم الإنسان بكل ما أُمر به، وأن
يترك كل ما نُهي عنه؛ ولا يمكن أن يكون قيامه هذا بغير معونة الله؛ ولهذا قال تعالى:
{وإياك نستعين} أي لا نستعين إلا إياك على العبادة، وغيرها؛ و"الاستعانة"
طلب العون؛ والله سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة، والاستعانة، أو التوكل في مواطن
عدة في القرآن الكريم؛ لأنه لا قيام بالعبادة على الوجه الأكمل إلا بمعونة الله، والتفويض
إليه، والتوكل عليه.
الفوائد:
1) من فوائد الآية: إخلاص العبادة لله؛ لقوله تعالى:
{إياك نعبد}؛ وجه الإخلاص: تقديم المعمول.
2) ومنها: إخلاص الاستعانة بالله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى:
{وإياك نستعين} ، حيث قدم المفعول.
فإن قال قائل: كيف يقال: إخلاص الاستعانة لله وقد جاء في قوله
تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: آية 2] إثبات المعونة من غير الله عزّ
وجلّ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو
ترفع له عليها متاعه صدقة"؟(1).
فالجواب: أن الاستعانة نوعان: استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد
على الله عزّ وجلّ، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ؛ واستعانة بمعنى
المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حياً قادراً على الإعانة؛
لأنه ليس عبادة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: آية
2).
فإن قال قائل: وهل الاستعانة بالمخلوق جائزة في جميع الأحوال؟
فالجواب: لا؛ الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز حيث كان المستعان
به قادراً عليها؛ وأما إذا لم يكن قادراً فإنه لا يجوز أن تستعين به: كما لو استعان
بصاحب قبر فهذا حرام؛ بل شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يغني عن نفسه شيئاً؛ فكيف يعينه!!!
وكما لو استعان بغائب في أمر لا يقدر عليه، مثل أن يعتقد أن الوليّ الذي في شرق الدنيا
يعينه على مهمته في بلده: فهذا أيضاً شرك أكبر؛ لأنه لا يقدر أن يعينه وهو هناك.
فإن قال قائل: هل يجوز أن يستعين المخلوقَ فيما تجوز استعانته
به؟
فالجواب: الأولى أن لا يستعين بأحد إلا عند الحاجة، أو إذا علم
أن صاحبه يُسَر بذلك، فيستعين به من أجل إدخال السرور عليه؛ وينبغي لمن طلبت منه الإعانة
على غير الإثم والعدوان أن يستجيب لذلك.
الهوامش:
(1)
أخرجه
البخاري ص232، كتاب الجهاد، باب 72: فضل من حمل متاع صاحبه في السفر حديث رقم 2891؛ وأخرجه مسلم ص837، كتاب
الزكاة، باب 16: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، حديث رقم 2335
[56] 1009، واللفظ لمسلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق