التشهد في الصلاة؛ كلماته ومعانيه:
هناك عدة أحاديث رويت في التشهد عن مجموعة من الصحابة كابن
مسعود وابن عباس وابن عمر وعمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري وأم المؤمبنين عائشة
رضي الله عنهم جميعا، وسنقتصر على أشهرها ثم نشرح كلماته.
ولكون بعض المنشورات تريد تركيز تفسير خاطيء للتشهد،
فقد ارتأت أن أنقل عن علماء السنة ما جاء في التشهد، وقد اخترت لكم ذلك من كتاب
"المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" لصاحبه أبو زكريا محيي الدين يحيى بن
شرف النووي.
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،
عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا
خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ
وَمِيكَائِيلَ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ،
فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ،
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ
عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا
أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
" (رواه البخاري ومسلم في صحيحيهماوالترمذي
في السنن).
حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ،
ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا
التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ
الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ
اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللهِ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ (رواه
مسلم).
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،
وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ. يَقُولُ: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ
للهِ، الزَّاكِيَاتُ للهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ للهِ؛ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ. السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ.
أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ (رواه الإمام مالك في الموطأ).
تشهد ابن مسعود قال فيه الإمام الترمذي:
" حَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ» وَالعَمَلُ عَلَيْهِ
عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَابْنِ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ".
وقال محمد بن الحسن الشيباني المالكي: "التَّشَهُّدُ
الَّذِي ذُكِرَ كُلُّهُ حَسَنٌ وَلَيْسَ يُشْبِهُ تَشَهُّدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
وَعِنْدَنَا تَشَهُّدُهُ لأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ عِنْدَنَا".
وقال الإمام النووي عن تشهد ابن عباس وتشهد أبي موسى
الأشعري رضي الله عنهم: "واتفق العلماء على جوازها كلها واختلفوا في الأفضل
منها، فمذهب الشافعي رحمه الله تعالى وبعض أصحاب مالك أن تشهد ابن عباس أفضل
لزيادة لفظة المباركات فيه وهي موافقة لقول الله عز وجل: "تحية من عند الله
مباركة طيبة" ولأنه أكده بقوله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن.
وقال أبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهما وجمهور الفقهاء وأهل الحديث: تشهد بن مسعود
أفضل لأنه عند المحدثين أشد صحة وإن كان الجميع صحيحا. وقال مالك رحمه الله تعالى:
تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموقوف عليه أفضل لأنه علمه الناس على المنبر
ولم ينازعه أحد فدل على تفضيله...".
وقد سمي بالتشهد لما اشتمل عليه من النطق بالشهادة
بالوحدانية والرسالة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله هو السلام)
فمعناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ومعناه السالم من النقائص وسمات الحدوث
ومن الشريك والند وقيل المسلم أولياءه وقيل المسلم عليهم وقيل غير ذلك.
وأما التحيات فجمع تحية وهي الملك وقيل البقاء وقيل
العظمة وقيل الحياة وإنما قيل التحيات بالجمع لأن ملوك العرب كان كل واحد منهم
تحييه أصحابه بتحية مخصوصة فقيل جميع تحياتهم لله تعالى وهو المستحق لذلك حقيقة.
والمباركات والزاكيات في حديث عمر رضي الله عنه بمعنى
واحد والبركة كثرة الخير وقيل النماء وكذا الزكاة أصلها النماء.
والصلوات هي الصلوات المعروفة وقيل الدعوات والتضرع
وقيل الرحمة أي الله المتفضل بها.
والطيبات أي الكلمات الطيبات.
وقوله في حديث بن عباس "التحيات المباركات
الصلوات الطيبات" تقديره "والمباركات والصلوات والطيبات" كما في
حديث بن مسعود وغيره ولكن حذفت الواو اختصارا وهو جائز معروف في اللغة، ومعنى الحديث
أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى ولا تصلح حقيقتها لغيره.
وقوله: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" وقوله في آخر الصلاة "السلام
عليكم" فقيل معناه التعويذ بالله والتحصين به سبحانه وتعالى فإن السلام اسم
له سبحانه وتعالى تقديره الله عليكم حفيظ وكفيل كما يقال "الله معك" أي
بالحفظ والمعونة واللطف. وقيل: معناه السلامة والنجاة لكم، ويكون مصدرا كاللذاذة
واللذاذ كما قال الله تعالى: "فسلام لك من أصحاب اليمين".
واعلم أن السلام الذي في قوله "السلام عليك أيها
النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" يجوز فيه حذف الألف واللام
فيقال: سلام عليك أيها النبي، وسلام علينا. ولا خلاف في جواز الأمرين هنا، ولكن
الألف واللام أفضل وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم.
وأما الذي في آخر الصلاة وهو سلام التحليل (أي قول
المصلي السلام عليكم عن يمينه وكذا عن شماله) فاختلف أصحابنا فيه فمنهم من جوز
الأمرين فيه هكذا ويقول الألف واللام أفضل ومنهم من أوجب الألف واللام لأنه لم
ينقل إلا بالألف واللام ولأنه تقدم ذكره في التشهد فينبغي أن يعيده بالألف واللام
ليعود التعريف إلى سابق كلامه كما يقول جاءني رجل فأكرمت الرجل.
قوله: "وعلى عباد الله الصالحين" قال الزجاج
وصاحب المطالع وغيرهما: العبد الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قالها أصابت كل
عبد لله صالح في السماء" فيه دليل على أن الألف واللام داخلتين على الجنس
تقتضي الاستغراق والعموم.
قوله: "وأشهد أن محمدا عبده ورسوله". قال
أهل اللغة: "يقال: رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة". قال ابن
فارس: وبذلك سمي نبينا صلى الله عليه وسلم محمدا يعني لعلم الله تعالى بكثرة خصاله
المحمودة ألهم (الله) أهله التسمية بذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يتخير من المسألة
ما شاء" فيه استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام وفيه أنه يجوز الدعاء
بما شاء من أمور الآخرة والدنيا ما لم يكن إثما وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال
أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يجوز إلا بالدعوات الواردة في القرآن والسنة.
بقلم: قروشي لحسن بن عدي
0 التعليقات:
إرسال تعليق