سلسلة الآداب الإسلامية:
الموضوع 5: حق لطريق
بسم الله الرحمن الرحيم.
سنتطرق في هذه الحلقة من "سلسلة
الآداب" بإذن الله تعالى إلى "حق الطريق"، حيث أن الأوقات تُهْدَرُ
هدراً، والخصومات تقع تَتْراً، فهل من مستفيد من مشكاة النبوة؟!!!
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "إياكم والجلوس بالطرقات! فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا
بد؛ نتحدث فيها. فقال: إذ أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق
الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر"(1).
يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم:
"هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي
أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث" اه.
أيها الإخوة الكرام!
اعلموا أن ديننا الحنيف هو مجموعة من الأوامر
والنواهي، والمتقي فينا هو الأحرص على الامتثال للأمر فيأتيه أو للنهي فيجتنبه،
وهذا الحديث الشريف فيه نهي ويتجلى في تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته من
الجلوس في الطرقات بقوله "إياكم" وفيه أمر يتجلى في مجموعة من الإرشادات
يدل عليه قوله "فأعطوا".
فقوله: "إياكم والجلوس
بالطرقات" يفيد النهي باتخاذ مكان المارة مجلسا للسمر والسهر لما يترتب
على ذلك من مفاسد، ومع إثبات الصحابة لضروريتها بقولهم "ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها"
فقد كان ولا بد من إرشادات ونصائح وأوامر لسد الذرائع وكبح المفاسد.
قَالَ القاضي عِيَاض تعليقا
على هذا الحديث: "فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ أَمْره لَهُمْ لَمْ يَكُنْ
لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى طَرِيق التَّرْغِيب وَالْأَوْلَى، إِذْ لَوْ
فَهِمُوا الْوُجُوب لَمْ يُرَاجِعُوهُ هَذِهِ الْمُرَاجَعَة".
ومن هنا يتضح أن الأفضل
والأولى عدم الجلوس في الطرقات ومن ضمن الطرقات واجهات المقاهي، فنقول لمن لا
يستطيع التخلي عن الجلوس بها أو بكل مكان يسمح لك بمشاهدة الناس وهم يمرون بين
غادٍ ورائحٍ وخاصة النساء، عليك بالأخذ بأوامر الرسول الكريم فهي المنجي من الآفات
الممكن ترتبها عن مثل هذه المجالس وهي قوله "غض البصر، وكف الأذى، ورد
السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وإذا جاء في الحديث الشريف
النهي عن الجلوس للترغيب، فإن الأوامر جاءت للوجوب حيث أنها ذكرت شرطا لعدم
الامتثال لأمر على سبيل الندب.
فالأمر الأول هو "غض
البصر"، وهو أمر إلهي ذكره الله تعالى في قوله: "قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...(31)" [النور].
فالنظرة هي رائدة الشهوة
وبريدها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورده موارد المهلكات، ولما كان
مبدأ ذلك من النظر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج.
قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من
النظــــر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
*** فتك السهام بلا قـــــوس ولا وتـــر
والأمر الثاني هو "كف الأذى"، ومعناه أن الإنسان
يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى يتعلق بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق
بالعرض. فليس من حسن الخلق إيذاء الخلق، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في
شهركم هذا، في بلدكم هذا"(2).
فمن الأذى خيانة من تجالس، أو غيبتهم، أو
الاعتداء على الناس بالضرب أو بالسب، أو إضحاك مرتادي المجلس بالسخرية من الآخرين.
والأمر الثالث هو "رد
السلام"، قال الله تعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
حَسِيبًا"(3).
واعلم أن ابتداء السلام سنة، ورده واجب، فالسلام
شعيرة من شعائر أهل الإسلام المباركة، جعلها الله تحيتهم فيما بينهم وجعلها من
حقوق المسلم على أخيه، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن إفشاءها من أسباب بث
المحبة بين المسلمين والتي هي سبب لدخول الجنة.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم"(4).
والأمر الرابع هو
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، قال
الله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(5).
ولرسول الله صلى الله عليه
وسلم خطبة في الأمر بالمعروف، يرويها عنه ابن عمر رضي
الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن
المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن
الأمر بالمعروف لا يقرب أجَلًا، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما
تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم وَعَمَّهُمْ
البلاء"(6).
إن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ما
زال في تراجعٍ وتخاذلٍ من بعض المسلمين، فمرَّةً تراهم يعتذرون بالحكمةِ، ومرَّةً
بالسَّلامةِ، ومرَّةً بالمصلحة، ونحن لا تكفينا في الإحاطة به هذه الكلمات، فالأمر
يحتاج منا إلى فقه واسع ووقفة طويلة؛ متى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن يقوم به؟ وقد نعود
للحديث عنه بتخصيص موضوع له إن شاء الله تعالى.
أريد أن أشير إلى أن هذا الحديث النبوي الشريف
ليس الوحيد في آداب الطرقات، بل هناك آداب أخرى قد ورد ذكرها في أحاديث شتى، وقد
بلغ مجموع تلك الآداب أربعة عشر أدباً كما قال ابن حجر في الفتح، وقد نظمها في
الأبيات التالية، حيث يقول:
جَمَــعْتَ آدابَ من رام الجلـــوسَ على ***
الطريق من قول خير الخلق إنسانا
أفشِ الســلامَ وأحســـن في الكـــــــلام ***
وشمِّتْ عاطساً وسلاماً رُدَّ إحسـانا
في الحمل عاون ومظلوماً أعِنْ وأغِثْ ***
لهــفــانَ أهـدِ سـبيــلاً واهد حيرانا
بالعرف مُرْ وانْهَ عن نُكْرٍ وكــفَّ أذىً ***
وغُضَّ طرفاً وأَكْــثِرْ ذِكْرَ مــولانا
فالمجالس التي تجمع الناس، ويكثر أهلها من
ارتيادها والاختلاف إليها، يُفْتَرض فيها أن تكون مجالس خير وبركة، وأنس ومودة،
تسودها الألفة والإخاء، ويجد فيها المرء فرحه وسروره، ويطرح في ساحها همومه
وأنكاده وغمومه لا العكس.
وإلى موعد آخر ومع موضوع آخر طبتم ودمتم في رعاية
الله.
الشروح:
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى.
(3)
سورة النساء، الآية 86.
(4)
رواه الإمام مسلم.
(5)
سورة التوبة، الآية 71.
(6)
رواه الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد 7/ 266).
بقلم: قروشي لحسن بن عدي
Mes adresses Email, mes pages & mon blog « Lahcenb
Karouchi » :
Mon site « Blog » :
Ma chaine « YouTube » :
Ma page
« FaceBook » :
Ma page « Twitter » :
Mon adrese Email « Gmail » :
Mon adrese Email « Hotmail » :
0 التعليقات:
إرسال تعليق