الأحد، 20 سبتمبر 2015

سورة الفاتحة من (تفسير ابن العثيمين) أولا: "البسملة"

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سورة الفاتحة من (تفسير ابن العثيمين)
أولا: "البسملة"
 خواني أخواتي؛ "سورة الفاتحة" نقرؤها في كل صلاة وقد لا يعرف بعضنا معنى آياتها لذلك قررت أن تكون البداية من "سورة الفاتحة" وقد اخترت "تفسير الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله لِمَا فتح الله عليه به من معان في تفسيره للقرآن الكريم.
فمرحبا بتعاليقكم وآرائكم والله الموفق لأقوم سبيل.
تفسير سورة الفاتحة
سورة الفاتحة سمِّيت بذلك؛ لأنه افتتح بها القرآن الكريم؛ وقد قيل: إنها أول سورة نزلت كاملة.
هذه السورة قال العلماء: إنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد، والأحكام، والجزاء، وطرق بني آدم، وغير ذلك؛ ولذلك سمِّيت "أم القرآن"(1)؛ والمرجع للشيء يسمى "أُمّاً".
وهذه السورة لها مميزات تتميّز بها عن غيرها؛ منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين: فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب؛ ومنها أنها رقية: إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (قال للذي قرأ على اللديغ، فبرئ: "وما يدريك أنها رقية"(2).
وقد ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة، فصاروا يختمون بها الدعاء، ويبتدئون بها الخُطب ويقرؤونها عند بعض المناسبات.، وهذا غلط: تجده مثلاً إذا دعا، ثم دعا قال لمن حوله: "الفاتحة"، يعني اقرؤوا الفاتحة؛ وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه، أو في أحواله. وهذا أيضاً غلط؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، والاتِّباع..
القرآن: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم).
التفسير:.قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}: الجار والمجرور متعلق بمحذوف؛ وهذا المحذوف يقَدَّر فعلاً متأخراً مناسباً؛ فإذا قلت: "باسم الله" وأنت تريد أن تأكل؛ تقدر الفعل: "باسم الله آكل".
قلنا: إنه يجب أن يكون متعلقاً بمحذوف؛ لأن الجار والمجرور معمولان؛ ولا بد لكل معمول من عامل.
وقدرناه متأخراً لفائدتين:
الفائدة الأولى: التبرك بتقديم اسم الله عزّ وجل.
والفائدة الثانية: الحصر؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر، كأنك تقول: لا آكل باسم أحد متبركاً به، ومستعيناً به، إلا باسم الله عزّ وجلّ.
وقدرناه فعلاً؛ لأن الأصل في العمل الأفعال. وهذه يعرفها أهل النحو؛ ولهذا لا تعمل الأسماء إلا بشروط
وقدرناه مناسباً؛ لأنه أدلّ على المقصود؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لم يذبح فليذبح باسم الله"(3). أو قال صلى الله عليه وسلم "على اسم الله"(4): فخص الفعل.
و{الله}: اسم الله رب العالمين لا يسمى به غيره؛ وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له.
و{الرحمن} أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة.
و{الرحيم} أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل.
فهنا رحمة هي صفته. هذه دل عليها {الرحمن} ؛ ورحمة هي فعله. أي إيصال الرحمة إلى المرحوم. دلّ عليها {الرحيم}.
و{الرحمن الرحيم}: اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة.
والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنّة من إثبات الرحمة لله. وهو كثير جداً؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله.
هذا وقد أنكر قوم وصف الله تعالى بالرحمة الحقيقية، وحرّفوها إلى الإنعام، أو إرادة الإنعام، زعماً منهم أن العقل يحيل وصف الله بذلك؛ قالوا: "لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة؛ وهذا لا يليق بالله عزّ وجلّ"؛ والرد عليهم من وجهين:
الوجه الأول: منع أن يكون في الرحمة خضوع، وانكسار، ورقة؛ لأننا نجد من الملوك الأقوياء رحمة دون أن يكون منهم خضوع، ورقة، وانكسار.
الوجه الثاني: أنه لو كان هذا من لوازم الرحمة، ومقتضياتها فإنما هي رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق سبحانه وتعالى فهي تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصاً بوجه من الوجوه.
ثم نقول: إن العقل يدل على ثبوت الرحمة الحقيقية لله عزّ وجلّ، فإن ما نشاهده في المخلوقات من الرحمة بَيْنها يدل على رحمة الله عزّ وجلّ؛ ولأن الرحمة كمال؛ والله أحق بالكمال؛ ثم إن ما نشاهده من الرحمة التي يختص الله بها. كإنزال المطر، وإزالة الجدب، وما أشبه ذلك. يدل على رحمة الله.
والعجب أن منكري وصف الله بالرحمة الحقيقية بحجة أن العقل لا يدل عليها، أو أنه يحيلها، قد أثبتوا لله إرادة حقيقية بحجة عقلية أخفى من الحجة العقلية على رحمة الله، حيث قالوا: إن تخصيص بعض المخلوقات بما تتميز به يدل عقلاً على الإرادة؛ ولا شك أن هذا صحيح؛ ولكنه بالنسبة لدلالة آثار الرحمة عليها أخفى بكثير؛ لأنه لا يتفطن له إلا أهل النباهة؛ وأما آثار الرحمة فيعرفه حتى العوام، فإنك لو سألت عامياً صباح ليلة المطر: "بِمَ مطرنا؟ "، لقال: "بفضل الله، ورحمته".
مسألة:
هل البسملة آية من الفاتحة؛ أو لا؟
في هذا خلاف بين العلماء؛ فمنهم من يقول: إنها آية من الفاتحة، ويقرأ بها جهراً في الصلاة الجهرية، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة؛ لأنها من الفاتحة؛ ومنهم من يقول: إنها ليست من الفاتحة؛ ولكنها آية مستقلة من كتاب الله؛ وهذا القول هو الحق؛ ودليل هذا: النص، وسياق السورة.
أما النص: فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: إذا قال: {الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى: حمدني عبدي؛ وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي؛ وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال الله تعالى: مجّدني عبدي؛ وإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي نصفين؛ وإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم} ... إلخ، قال الله تعالى: هذا لعبدي؛ ولعبدي ما سأل"(5)؛ وهذا كالنص على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صلَّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر؛ فكانوا لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول قراءة، ولا في آخرها"(6): والمراد لا يجهرون؛ والتمييز بينها وبين الفاتحة في الجهر وعدمه يدل على أنها ليست منها.
أما من جهة السياق من حيث المعنى: فالفاتحة سبع آيات بالاتفاق؛ وإذا أردت أن توزع سبع الآيات على موضوع السورة وجدت أن نصفها هو قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} وهي الآية التي قال الله فيها: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"؛ لأن {الحمد لله رب العالمين} : واحدة؛ {الرحمن الرحيم} : الثانية؛ {مالك يوم الدين} : الثالثة؛ وكلها حق لله عزّ وجلّ {إياك نعبد وإياك نستعين} : الرابعة. يعني الوسَط؛ وهي قسمان: قسم منها حق لله؛ وقسم حق للعبد؛ {اهدنا الصراط المستقيم} للعبد؛ {صراط الذين أنعمت عليهم} للعبد؛ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} للعبد.
فتكون ثلاث آيات لله عزّ وجل وهي الثلاث الأولى؛ وثلاث آيات للعبد. وهي الثلاث الأخيرة؛ وواحدة بين العبد وربِّه. وهي الرابعة الوسطى.
ثم من جهة السياق من حيث اللفظ، فإذا قلنا: إن البسملة آية من الفاتحة لزم أن تكون الآية السابعة طويلة على قدر آيتين؛ ومن المعلوم أن تقارب الآية في الطول والقصر هو الأصل.
فالصواب الذي لا شك فيه أن البسملة ليست من الفاتحة. كما أن البسملة ليست من بقية السور.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ص61، كتاب الأذان، باب 104: القراءة في الفجر، حديث رقم 772؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص740 في كتاب الصلاة، باب 11: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث رقم 878 [38] 395؛ وأخرجه الترمذي في جامعه ص1968، كتاب تفسير القرآن، باب 15: ومن سورة الحجر، حديث رقم 3124، ولفظه: "الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني".
(2) أخرجه البخاري في صحيحه ص177، كتاب الإجارة، باب 16: ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، حديث رقم 2276؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1068، كتاب السلام، باب 23: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، حديث رقم 5733 [65] 2201.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ص77، كتاب العيدين، باب 23: كلام الإمام والناس في خطبة العيد، حديث رقم 985؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1027، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5064 [1] 1960.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه ص474، كتاب الذبائح والصيد، باب 17: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فليذبح على اسم الله"، حديث رقم 5500؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1027، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5064 [2] 1960.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه ص740، كتاب الصلاة، باب 11: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث رقم 878 [38] 395.
(6) أخرجه مسلم في صحيحه ص741، كتاب الصلاة، باب 13، حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، حديث رقم 892 [52] 399.

السبت، 19 سبتمبر 2015

سلسلة الآداب الإسلامية: الموضوع 6 "اجتباب فضول الكلام"



سلسلة الآداب الإسلامية:
الموضوع 6: اجتناب فضول الكلام

بسم الله الرحمن الرحيم.

سنتطرق في هذه الحلقة – بإذن الله تعالى - من سلسلة الآداب إلى "اجتناب فضول الكلام" وهو أدب في غاية الأهمية، من اتصف به نجا من مجموعة من الآفات كالجفاء والن
دامة.

فآلة الكلام اللسان، واللسان من نعم الله العظيمة، فهو وإن صغر حجمه فقد عظم أثره، فمن أطلق للسان العنان سلك به الشيطان في كل ميدان، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله.

عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؛ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل قال ثم تلا "تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون" ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم! " [رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح].

وقال الله عز وجل: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما" [سورة النساء، الآية 114].

فالآية حصرت المهم من الكلام وبالتالي فكل ما عدا ذلك فهو فضول.
ففضول الكلام مذموم، وهو يتناول الخوض فيما لا يعني والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة، فإن من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر، ويمكنه أن يجسمه أو يقرره أو يكرره، فإذا ما بلغ المتكلم مقصوده بكلمة واحدة فلا حاجة إلى التكرار اللهم إلا إذا كانت من أجل التعليم والترسيخ وإلا فهو فضول - أي فضل عن الحاجة - وهو أيضا مذموم وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر.

وقال صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفضل من ماله".

فانظر كيف قلب الناس الأمر في ذلك فأمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان.

وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: "قدمت على رسول صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر فقالوا: أنت والدنا وأنت سيدنا وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأنت أطولنا علينا طولا، وأنت الجفنة الغراء وأنت وأنت فقال: قولوا قولكم ولا يستهوينكم الشيطان(1)".

وقال ابن مسعود: أنذركم فضول كلامكم؛ بحسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته (2).

وقال بعض الحكماء: إذا كان الرجل في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت وإن كان ساكتا فأعجبه السكوت فليتكم(2).

وقال يزيد بن أبي حبيب: من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع فإن وجد من يكفيه فإن في الاستماع سلامة، وفي الكلام تزيين وزيادة ونقصان(2).

ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة فقال: لو كانت هذه خرساء كان خيرا لها(2).

فلنجتنب فضول الكلام، إذ من كثر كلامه كثر لغطه، قال الله تعالى: "كلا بل تكذبون بالدين(*) وإن عليكم لحافظين(*) كراما كاتبين(*) يعلمون ما تفعلون(*)" [سورة الانفطار، الآيات 12،11،10،9].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شرار أمتي الثرثارون، المشدقون، المتفيهقون (3)، وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقا"(4).


وإلى موعد آخر ومع موضوع آخر طبتم ودمتم في رعاية الله.



الشروح:
(1) إشارة إلى أن اللسان إذا أطنب بالثناء ولو بالصدق فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها.
(2) هذه المأثورات اقتبسناها من كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي رحمه الله تعالى عند حديثه عن آفة اللسان.
(3) المتفيهقون: المتكبرون الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم.
(4) الأدب المفرد للبخاري.


بقلم: قروشي لحسن بن عدي


Mes adresses Email, mes pages & mon blog « Lahcenb Karouchi » :

Mon site « Blog » :

Ma chaine « YouTube » :

Ma page  «  FaceBook » :

Ma page « Twitter » :

Mon adrese Email « Gmail » :

Mon adrese Email « Hotmail » :


السبت، 12 سبتمبر 2015

حكم استعمال المرأة لحبوب منع الحيض من أجل الصيام أو الحج

حكم استعمال المرأة لحبوب منع الحيض في رمضان
السؤال: ما حكم استعمال حبوب منع الحيض في شهر رمضان؟
الجواب: باجتهاد نقول والله الموفق: من الأفضل والخير للمؤمنة ألا تستعمل هذه الحبوب لتحصل على أجرين:
الأجر الأول: أنها أطاعت ربها بأن أفطرت لما حاضت، فتثاب على هذه الطاعة، وثانياً: أنه إذا انسلخ رمضان ودخل شوال أو بعده وقامت تقضي، فإن هذا القضاء تؤجر عليه، وبذلك يكون أجرها مضاعف
أما إذا استعملت الحبوب ولم تحض فلها أجر واحد إذاً فلماذا تفرط المرأة المسلمة في هذا؟ مع العلم أنه ما كان هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذ أن كل ما في الأمر هو أنه ورد أن النساء كن إذا حججن على عهد الأصحاب يستعملن نوعاً من العشب ليوقفن الحيض، وذلك من أجل أن تحج؛ لأنها إذا حاضت وهي حاجة فأين ستبقى في مكة؟ إذ لم يكن هناك فنادق، فكيف ترجع إلى ديارها وتمكث سنة كاملة حتى تحج في العام القابل؟ فكن يستعملن هذا النبات أو العشب ليحفظ أو ليقي من الحيض فقط، أما في رمضان فلا خبر في هذا أبداً.
فتوى صوتية لأبي بكر جابر الجزائري من هذا الموقع:
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=244804



الخميس، 10 سبتمبر 2015

سلسلة الآداب الإسلامية: الموضوع 5 "حق الطريق"



سلسلة الآداب الإسلامية:
الموضوع 5: حق لطريق

بسم الله الرحمن الرحيم.

سنتطرق في هذه الحلقة من "سلسلة الآداب" بإذن الله تعالى إلى "حق الطريق"، حيث أن الأوقات تُهْدَرُ هدراً، والخصومات تقع تَتْراً، فهل من مستفيد من مشكاة النبوة؟!!!

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس بالطرقات! فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد؛ نتحدث فيها. فقال: إذ أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(1).

يقول الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: "هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث" اه.

أيها الإخوة الكرام!
اعلموا أن ديننا الحنيف هو مجموعة من الأوامر والنواهي، والمتقي فينا هو الأحرص على الامتثال للأمر فيأتيه أو للنهي فيجتنبه، وهذا الحديث الشريف فيه نهي ويتجلى في تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته من الجلوس في الطرقات بقوله "إياكم" وفيه أمر يتجلى في مجموعة من الإرشادات يدل عليه قوله "فأعطوا".

فقوله: "إياكم والجلوس بالطرقات" يفيد النهي باتخاذ مكان المارة مجلسا للسمر والسهر لما يترتب على ذلك من مفاسد، ومع إثبات الصحابة لضروريتها بقولهم "ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها" فقد كان ولا بد من إرشادات ونصائح وأوامر لسد الذرائع وكبح المفاسد.

قَالَ القاضي عِيَاض تعليقا على هذا الحديث: "فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ أَمْره لَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى طَرِيق التَّرْغِيب وَالْأَوْلَى، إِذْ لَوْ فَهِمُوا الْوُجُوب لَمْ يُرَاجِعُوهُ هَذِهِ الْمُرَاجَعَة".
ومن هنا يتضح أن الأفضل والأولى عدم الجلوس في الطرقات ومن ضمن الطرقات واجهات المقاهي، فنقول لمن لا يستطيع التخلي عن الجلوس بها أو بكل مكان يسمح لك بمشاهدة الناس وهم يمرون بين غادٍ ورائحٍ وخاصة النساء، عليك بالأخذ بأوامر الرسول الكريم فهي المنجي من الآفات الممكن ترتبها عن مثل هذه المجالس وهي قوله "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وإذا جاء في الحديث الشريف النهي عن الجلوس للترغيب، فإن الأوامر جاءت للوجوب حيث أنها ذكرت شرطا لعدم الامتثال لأمر على سبيل الندب.

فالأمر الأول هو "غض البصر"، وهو أمر إلهي ذكره الله تعالى في قوله: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...(31)" [النور].

فالنظرة هي رائدة الشهوة وبريدها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورده موارد المهلكات، ولما كان مبدأ ذلك من النظر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج.

قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظــــر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قـــــوس ولا وتـــر

والأمر الثاني هو "كف الأذى"، ومعناه أن الإنسان يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى يتعلق بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض. فليس من حسن الخلق إيذاء الخلق، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"(2).

فمن الأذى خيانة من تجالس، أو غيبتهم، أو الاعتداء على الناس بالضرب أو بالسب، أو إضحاك مرتادي المجلس بالسخرية من الآخرين.

والأمر الثالث هو "رد السلام"، قال الله تعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا"(3).

واعلم أن ابتداء السلام سنة، ورده واجب، فالسلام شعيرة من شعائر أهل الإسلام المباركة، جعلها الله تحيتهم فيما بينهم وجعلها من حقوق المسلم على أخيه، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن إفشاءها من أسباب بث المحبة بين المسلمين والتي هي سبب لدخول الجنة.

فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم"(4).

والأمر الرابع هو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، قال الله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(5).

ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة في الأمر بالمعروف، يرويها عنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف لا يقرب أجَلًا، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم وَعَمَّهُمْ البلاء"(6).

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما زال في تراجعٍ وتخاذلٍ من بعض المسلمين، فمرَّةً تراهم يعتذرون بالحكمةِ، ومرَّةً بالسَّلامةِ، ومرَّةً بالمصلحة، ونحن لا تكفينا في الإحاطة به هذه الكلمات، فالأمر يحتاج منا إلى فقه واسع ووقفة طويلة؛ متى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن يقوم به؟ وقد نعود للحديث عنه بتخصيص موضوع له إن شاء الله تعالى.

أريد أن أشير إلى أن هذا الحديث النبوي الشريف ليس الوحيد في آداب الطرقات، بل هناك آداب أخرى قد ورد ذكرها في أحاديث شتى، وقد بلغ مجموع تلك الآداب أربعة عشر أدباً كما قال ابن حجر في الفتح، وقد نظمها في الأبيات التالية، حيث يقول:

جَمَــعْتَ آدابَ من رام الجلـــوسَ على *** الطريق من قول خير الخلق إنسانا
أفشِ الســلامَ وأحســـن في الكـــــــلام *** وشمِّتْ عاطساً وسلاماً رُدَّ إحسـانا
في الحمل عاون ومظلوماً أعِنْ وأغِثْ *** لهــفــانَ أهـدِ سـبيــلاً واهد حيرانا
بالعرف مُرْ وانْهَ عن نُكْرٍ وكــفَّ أذىً *** وغُضَّ طرفاً وأَكْــثِرْ ذِكْرَ مــولانا

فالمجالس التي تجمع الناس، ويكثر أهلها من ارتيادها والاختلاف إليها، يُفْتَرض فيها أن تكون مجالس خير وبركة، وأنس ومودة، تسودها الألفة والإخاء، ويجد فيها المرء فرحه وسروره، ويطرح في ساحها همومه وأنكاده وغمومه لا العكس.

وإلى موعد آخر ومع موضوع آخر طبتم ودمتم في رعاية الله.


الشروح:
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى.
(3) سورة النساء، الآية 86.
(4) رواه الإمام مسلم.
(5) سورة التوبة، الآية 71.
(6) رواه الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد 7/ 266).


بقلم: قروشي لحسن بن عدي


Mes adresses Email, mes pages & mon blog « Lahcenb Karouchi » :

Mon site « Blog » :

Ma chaine « YouTube » :

Ma page  «  FaceBook » :

Ma page « Twitter » :

Mon adrese Email « Gmail » :

Mon adrese Email « Hotmail » :


الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

سلسلة الآداب الإسلامية: الموضوع 4 "بر الوالدين"



سلسلة الآداب الإسلامية:
الموضوع 4: بر الوالدين

بسم الله الرحمن الرحيم.

سنتطرق في هذه الحلقة من "سلسلة الآداب" بإذن الله تعالى إلى "بر الوالدين".
في الحقيقة، وأنا أحاول تجميع الموضوع بين يدي القارئ، لاحظت أن هذا الموضوع كان الأولى بي أن أضعه بين أيديكم في أول حلقة لما له من أهمية قصوى يترتب عليها بناء المجتمع كله وليس بناء الأسرة فحسب.

لقد أمر الإسلام بالإحسان للوالدين، وأوصى بهما خيراً في الكِبَرِ حيث يكثر اللغط والغلط وتنقص الذاكرة وتظهر الأمراض وتُعْدم القدرة أو تقل، فقال الله تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)" [سورة الإسراء].
إن "أف" كلمة تَقْصد من ورائها التعبير عن مضايقتك من طرف مخاطبك، وهي أقل ما يعبر به عن حال كهاته، ورغم ذلك منع الإسلام الوالد من تلفظها في وجه الوالدَيْن أو أحدهما، كما أن الإسلام أمر بخفض الجناح وهي كناية عن التذلل والاستصغار أمامهما، كيف لا وقد كان ذليلا صغيرا يدللانه ويغيران ملابسه كالدمية بين يديهما لا حول له ولا قوة.

إن أمر الإسلام بالإحسان بالوالدين لم يأت من أجل لُحمة النسب فحسب بل جاء أيضاً من أجل لمِّ الشمل ودوام السعادة واستمرار الحنان والعطف بين الأجيال المتعاقبة، وما نراه من انتشار لدور العجزة في عصرنا الحاضر ليس إلا استيراداً غربيا غريبا لا علاقة لديننا ولا لأعرافنا به، بل يجب أن تدور عجلة الحياة في نفس المحيط وبنفس الشكل وبنفس النَّفَسِ الذي كان الوالدان يتابعان به رعرعة فلذات الأكباد.

ولكم هذه الأحاديث النبوية التي عسى أن تزيدنا قوة عزم في إرضاء الوالدين أو أن تبعث الأمل في قلوب العاقين لتغيير سلوكهم نحو الأفضل:

لقد جعل الإسلام بر الوالدين من أفضل الأعمال بل أفضلها على الإطلاق بعد الصلاة، فعن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ؛ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام البخاري في الأدب المفرد].

وفي المقابل، جعل العقوق من أكبر الكبائر بل أكبرها على الإطلاع بعد الشرك بالله تعالى، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِر؟ِ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. [رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد].

ويكفي الإسلام فخرا في الاهتمام بالوالدين أن أسقط الجهاد على من يعولهما أو يعول أحدهما رغم أن الجهاد كما جاء في الحديث الصحيح "ذروة سنام الإسلام" فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". [رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد].

بل إن الإحسان للوالدين سبب رئيسي في نيل نعيم الخلود، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ (1). قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ". [رواه البخاري في الأدب المفرد ومسلم في صحيحه].

وقد أعطى الإسلام للأم حقها في الرعاية وخفض الجناح ثلاث أضعاف ما أعطى للأب، فبقدر المتاعب تُنال المكاسب، فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قلت: يا رسول الله، من أبر (2)؟ قال: أمك. قلت: من أبر؟ قال: أمك. قلت: من أبر؟ قال: أمك، قلت: من أبر؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب" [رواه البخاري في الأدب المفرد].

إخواني الأعزاء! إياكم والعقوق! وعليكم بالبر، فلن ينال رضا الله تعالى من أسخط والديه، وعليكم بطاعتهما في كل معروف ما لم يكن إثما ولو كانا غير مسلمين، قال الله تعالى: "وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [سورة العنكبوت، الآية 8].

فمن العقوق قول أف لهما بله (3) دفعهما أو ضربهما، ومن العقوق عزلهما عن المحيط في دور تسمى "دور العجزة"، وانظر إلى هذه الآداب النبيلة من تراثنا الغالي، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة أنه أبصر رجلين ، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي، فقال: لا تسمه باسمه، ولا تمش أمامه، ولا تجلس قبله"اه.

بل إن البر بالوالدين يتعدى الإحسان إليهما في حياتهما إلى الإحسان إليهما بعد مماتهما، فعن أسيد بن علي بن عبيد، عن أبيه، أنه سمع أبا أسيد يحدث القوم قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما؟ قال: نعم، خصال أربع: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ (4) عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما". [رواه البخاري في الأدب المفرد].

وإلى موعد آخر ومع موضوع آخر طبتم ودمتم في رعاية الله.


الشروح:
(1) رغم أنفه: لصق بالرغام وهو التراب، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره.
(2) من البر أي حسن الصحبة والمعاشرة.
(3) بله: اسم فعل أمر بمعنى دع عنك.
(4) إنفاذ العهد: إتمامه وإمضاؤه والوفاء به.



بقلم: قروشي لحسن بن عدي


Mes adresses Email, mes pages & mon blog « Lahcenb Karouchi » :

Mon site « Blog » :

Ma chaine « YouTube » :

Ma page  «  FaceBook » :

Ma page « Twitter » :

Mon adrese Email « Gmail » :

Mon adrese Email « Hotmail » :