الجمعة، 6 نوفمبر 2015

الميراث في الإسلام (الإرث أو التركة):


مقدمة: هناك حُمى اجتاحت بعض الحداثيين في المغرب الأقصى، متوخية الإطاحة بالنظام الإسلامي في الإرث، وهو كل ما تبقى من الإسلام، مع بعض أحكام الزواج والطلاق، بهذا البلد الحبيب، فجاءت مقالتي للحاجة والظرفية...


قسمة الميراث بالطريقة الإسلامية هي أعدل قسمة مع مسلمين يخافون الله تعالى.
هل تعلم أن الذكر إنما يفضل عندما تكثر تكاليفه ويساوى مع المرأة إذا استوت القرابة ولو كثرت التكالبف؟!
مثلا الأخ يأخذ ضعف أخته ﻷنها تكون إما تحت نفقته إما تحت نفقة زوجها
ولكن الأم تأخذ مثل نصيب الأب، قال تعالى: ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ)
لاحظ معي أيها القارىء أن التفضيل جاء بوجود من يتحمل الوالد نفقتهم!!!
أما المرأة فلا تجب عليها النفقة ولو كانت غنية!
ابحثوا إذن عن نساء حرمهن اﻷقارب من الميراث وليس عن أمر إلهي لمحاربته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة (قروشي لحسن)
وقد نقلت لكم من "موقع المواريث" المشار إليه بأسفل الصفحة مايلي:
حاول أعداء الإسلام الدخول على القرآن من خلال آيات الميراث , زاعمين أن القرآن العظيم أعطى الأنثى عمومًا، والزوجة خصوصًا من التركة (الميراث) نصف ما أعطاه للذكر عمومًا والزوج خصوصًا، فزعموا أن القرآن العظيم هضم المرأة حقها , وأجحف بها , وللرد على هذه الشبهة المتهافتة نقول :
أولا : القول بأن الإسلام أعطى الأنثى من الميراث أقل مما أعطاه الذكر بهذا الإطلاق قول غير صحيح , فالأنثى والذكر في الميراث لهما أربع حالات .

الحالة الأولى : أن يكون نصيب الأنثى كنصيب الذكر تماما كما هو الحال في الإخوة والأخوات من الأم , فالواحد منهم يأخذ السدس سواء كان ذكرا أو أنثى ‘ والجماعة منهم يأخذون الثلث , ونصيب الأنثى كنصيب الذكر من هذا الثلث .

الحالة الثانية : أن ترث الأنثى فقط وتكون هي سببا في حرمان الذكر منه , كما لو توفي رجل أو امرأة عن بنت وأخت شقيقة وأخ من الأب , فالبنت لها النصف والأخت الشقيقة لها النصف الباقي , ولا شيء للأخ من الأب , لأنه محجوب بالأخت الشقيقة مع كونه ذكرا وهي أنثى .

الحالة الثالثة : أن تأخذ الأنثى أكثر مما يأخذه الذكر , كمن توفي عن أخت ( شقيقة أو من الأب ) وأم وعم ( أو أخ من الأم ) , فالأخت لها النصف ‘ والأم لها الثلث ‘ والباقي سدس يأخذه العم ( أو الأخ من الأم ) , فالأخت هنا وكذا الأم كل واحدة منهما أنثى , وقد أخذت أكثر من نصيب الذكر , وهو العم أو الأخ من الأم  .

الحالة الرابعة : أن تأخذ الأنثى نصف ما للذكر وهذه تكون في عدة صور منها . 
البنت مع الابن ‘ وبنت الابن مع ابن الابن ‘ والأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق ‘ والأخت من الأب مع الأخ من الأب , ونصيب الزوجة مقارنة بنصيب الزوج ,  فكل واحدة من الإناث هنا تأخذ نصف ما يأخذ الذكر , ولكن لماذا ؟ وما الحكمة من ذلك ؟ وهل هذا التفضيل راجع إلى جنسهما ؟ أي للذكورة والأنوثة , أم أن هناك سببا آخر وراء هذا التفضيل ؟ وللجواب عن هذه التساؤلات نقول :
ليس التفضيل هنا راجعا للجنس قطعا , بدليل أن هناك حالات ورثت فيها الأنثى مثل الذكر تماما ‘ وحالات ورثت فيها أكثر منه , بل وحرمته أيضا في حالات أخرى كما مر معنا , و لم يَفْهَمِ القرآنَ من ظنّ أن أنصبة الوارثين والوارثات جاءت معللة بسبب الذكورة والأنوثة فقط ؛ لأن القرآن العظيم قسَّم الأنصبة بين الوارثين على ثلاثة معايير:
1: درجة القرابة بين الوارثين ـ ذكرًا أو أنثى ـ وبين المورِّث (المتوفى)، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.
2: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكثر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ بل ترث البنت أكثر من الأب حتى لو كانت رضيعة لا تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور
3ـ العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفاوت لا يفضي إلى أيّ ظلم للأنثى أو إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح. ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة، واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال ـ مثل أولاد المتوفى ذكورًا وإناثًا ـ يكون تفاوت العبء المالي في الغالب هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يُعَمِّم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين، وإنما في صورة معدودة ‘ فالابن الذكر مطالبه في الحياة ، وفي نظام الإسلام نفسه أكثر من مطالب أخته ؛ فهو الذي يُكلَّف بإعالة نفسه متى بلغ سنّ الرشد ، وهو المكلَّف بدفع المهر لزوجته ، وبنفقة الزوجية ، ونفقة الأولاد ؛ من تعليم ، وتطبيب ، وكساء ، وغير ذلك , والأنثى ستتزوج في الغالب ولا تطالب بدفع مهر ولا نفقة وإنما نفقتها على زوجها ..




الخميس، 15 أكتوبر 2015

حديثي اليوم عن صوم يوم عاشوراء


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثي اليوم عن صوم يوم عاشوراء
نحن على مشارفها وقد اقترب ميعاذها، فاليوم هو الأول من محرم الموافق 15 أكتوبر 2015، والناس تنشر أحيانا خرافات من قبيل قولهم "أن صيامه كعبادة سنتين ومن أخبر بذلك كعبادة ثمانين عاما" وكأن الإخبار بفضلها فقط يضاهي أجر ليلة القدر!!!

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه بمكة  كما كانت تصومه قريش رغم جاهليتها، ثم ترك النبي صلى الله عليه وسلم صيامه ولم ينْهّ عنه، وعندما رأى اليهود تصومه لأنه اليوم الذي نجا فيه الله تعالى موسى عليه السلام من الغرق صامه وأمر بصيامه ثم أمر بمخالفة اليوم بصيامه وصيام يوم قبله.

ولكم تفصيل كل ذلك من عالم جليل كبير القدر رغم صغر سنه إنه الإمام النووي (أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي) وذلك من كتابه  "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" والله الموفق

(باب صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ)

الحديث رقم 1125:
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»

شرح الحديث رقم 1125:
اتَّفَقَ العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ شُرِعَ صَوْمُهُ قَبْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ وَاجِبًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُنَّةً مِنْ حِينِ شُرِعَ وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَأَكِّدَ الِاسْتِحْبَابِ فَلَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ صَارَ مُسْتَحَبًّا دُونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابِ وَالثَّانِي كَانَ وَاجِبًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ مِنَ اللَّيْلِ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُهَا وَيَقُولُ كَانَ النَّاسُ مُفْطِرِينَ أَوَّلَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ثُمَّ أُمِرُوا بِصِيَامِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِقَضَائِهِ بَعْدَ صَوْمِهِ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَقُولُونَ كَانَ مُسْتَحَبًّا فَصَحَّ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَيَتَمَسَّكُ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ أَمَرَ بِصِيَامِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَبِقَوْلِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَيَحْتَجُّ الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِهِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ مَمْدُودَانِ وَحُكِيَ قَصْرُهُمَا.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَحَتِّمًا فَأَبُو حَنِيفَةَ يُقَدِّرُهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَدِّرُونَهُ لَيْسَ مُتَأَكِّدًا أَكْمَلَ التَّأْكِيدِ وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ الْآنَ مِنْ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ كَانَ صوم عاشوراء فرض وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ لَمْ يُنْسَخْ قَالَ وَانْقَرَضَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا وَحَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ كَرَاهَةُ قَصْدِ صَوْمِهِ وَتَعْيِينِهِ بِالصَّوْمِ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَتَعْيِينِهِ لِلْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ بن مَسْعُودٍ كُنَّا نَصُومُهُ ثُمَّ تُرِكَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَمَا كَانَ مِنَ الْوُجُوبِ وَتَأَكَّدَ النَّدْبُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ (إِنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ) ضَبَطُوا أَمَرَ هُنَا بِوَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ غَيْرَهُ

الحديث رقم 1129:
حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ - يَعْنِي فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا - خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - لِهَذَا الْيَوْمِ - «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ»

شرح الحديث رقم 1129:
وأما قولُ مُعَاوِيَةَ (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) إِلَى آخِرِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ فَأَرَادَ إِعْلَامَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَخَطَبَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ) هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ

الحديث رقم 1130:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ»

شرح الحديث رقم 1130:
قَوْلُهُ (فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَسَأَلَهُمْ الْمُرَادُ بِالرِّوَايَتَيْنِ أَمْرَ مَنْ سَأَلَهُمْ وَالْحَاصِلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَالْيَهُودُ يَصُومُونَهُ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِصِيَامِهِ مُتَأَكِّدًا ثُمَّ بَقيَ صَوْمُهُ أَخَفَّ مِنْ ذَلِكَ التَّأَكُّدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ) الشَّارَةُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِلَا هَمْزٍ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْحَسَنَةُ وَالْجَمَالُ أَيْ يُلْبِسُونَهُنَّ لِبَاسَهُمُ الْحَسَنَ الْجَمِيلَ وَيُقَالُ لَهَا الشَّارَةُ وَالشُّورَةُ بِضَمِّ الشِّينِ وَأَمَّا الْحَلْيُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مُفْرَدٌ وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الضَّمِّ وَاللَّامُ مَكْسُورَةٌ وَالْيَاءُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ وَقَالُوا إِنَّ مُوسَى صَامَهُ وَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَوْا فِيهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ فَصَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ) قال الْمَازِرِيُّ خَبَرُ اليهُودِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِدْقِهِمْ فِيمَا قَالُوهُ أَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ النَّقْلُ بِذَلِكَ حَتَّى حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَدًّا عَلَى الْمَازِرِيِّ قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ فَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ بِقَوْلِ الْيَهُودِ حُكْمٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةُ حَالٍ وَجَوَابُ سُؤَالٍ فَقَوْلُهُ صَامَهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَوْمَهُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ كَابْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وقد قال قَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ بِمَكَّةَ ثُمَّ تَرَكَ صِيَامَهُ حَتَّى عَلِمَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهِ فَصَامَهُ قَالَ الْقَاضِي وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى بِلَفْظِ الحديث قلت المختار قوله الْمَازِرِيِّ وَمُخْتَصَرُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ كَمَا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ فَصَامَهُ أَيْضًا بِوَحْيٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوِ اجْتِهَادٍ لَا بِمُجَرَّدِ أَخْبَارِ آحَادِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ)

الحديث رقم 1134:
وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

شرح الحديث رقم 1134:
وفي الرواية الأخرى (عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هذا تصريح من بن عَبَّاسٍ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمٍ وَيَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوِرْدِ رَبْعًا وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَشْرًا وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ وأمَّا تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الاظماء فبعيد ثم ان حديث بن عَبَّاسٍ الثَّانِي يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ إِنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعُ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ الْعَاشِرَ وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ وَقَدْ سَبَقَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ أَنْ لَا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا وَقِيلَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِ عَاشُورَاءَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ

الحديث رقم 1135:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: «مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ، فَلْيَصُمْ وَمَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ»

شرح الحديث رقم 1135:
قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ مَعْنَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ مَنْ كَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ وَلَمْ يَأْكُلْ أَوْ أَكَلَ فَلْيمسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ كَمَا لَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجِبُ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ صَومَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَرْضِ يَجُوزُ نِيَّتُهُ فِي النَّهَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَبْيِيتُهَا قَالَ لِأَنَّهُمْ نَوَوْا فِي النَّهَارِ وَأَجْزَأَهُمْ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ رَمَضَانُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ إِلَّا بِنِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لا حقيقة الصَّوْمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ أَكَلُوا ثُمَّ أُمِرُوا بِالْإِتْمَامِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ إِجْزَاءِ النِّيَّةِ فِي النَّهَارِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهَا مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَوَابٌ آخَرُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ سُنَّةً مُتَأَكِّدَةً وَجَوَابٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِمْ وَلَا يَقْضُونَهُ بَلْ لَعَلَّهُمْ قَضَوْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَتَمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمٍ وَأَقْضَوْهُ

الحديث رقم 1136:
وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ لَاحِقٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ، الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» فَكُنَّا، بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ "

شرح الحديث رقم 1136:
قَوْلُهُ (اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ) هُوَ الصُّوفُ مُطْلَقًا وَقِيلَ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ قَوْلُهُ (فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ مَحْذُوفٌ وَصَوَابُهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ فَبِهَذَا يَتِمُّ الْكَلَامُ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَمْرِينُ الصِّبْيَانِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَعْوِيدُهُمُ الْعِبَادَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُمْ مَتَى أَطَاقُوا الصَّوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَفِي رِوَايَةٍ يَبْلُغَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ


منقول بواسطة لحسن قروشي بن عدي

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

تفسير سورة الفاتحة "الآية الخامسة السادسة والسابعة" (ابن عثيمن)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أخواتي؛ "سورة الفاتحة" نقرؤها في كل صلاة وقد لا يعرف بعضنا معنى آياتها لذلك قررت أن تكون البداية من "سورة الفاتحة" وقد اخترت "تفسير الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله لِمَا فتح الله عليه به من معان في تفسيره للقرآن الكريم.
فمرحبا بتعاليقكم وآرائكم والله الموفق لأقوم سبيل.
الدرس الرابع من دروس التفسير
تفسير سورة الفاتحة "الآية الخامسة السادسة والسابعة" (ابن عثيمن)


القرآن: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)

التفسير: قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} : {الصراط} فيه قراءتان: بالسين: {السراط} ، وبالصاد الخالصة: {الصراط} ؛ والمراد بـ {الصراط} الطريق؛ والمراد بـ "الهداية" هداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فأنت بقولك: {اهدنا الصراط المستقيم} تسأل الله تعالى علماً نافعاً، وعملاً صالحاً؛ و {المستقيم} أي الذي لا اعوجاج فيه.

الفوائد:
1)   من فوائد الآية: لجوء الإنسان إلى الله عزّ وجلّ بعد استعانته به على العبادة أن يهديه الصراط المستقيم؛ لأنه لا بد في العبادة من إخلاص؛ يدل عليه قوله تعالى: {إياك نعبد}؛ ومن استعانة يتقوى بها على العبادة؛ يدل عليه قوله تعالى: {وإياك نستعين}؛ ومن اتباع للشريعة؛ يدل عليه قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}؛ لأن {الصراط المستقيم} هو الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
2)   ومن فوائد الآية: بلاغة القرآن، حيث حذف حرف الجر من {اهدنا}؛ والفائدة من ذلك: لأجل أن تتضمن طلب الهداية: التي هي هداية العلم، وهداية التوفيق؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية علم، وإرشاد؛ وهداية توفيق، وعمل؛ فالأولى ليس فيها إلا مجرد الدلالة؛ والله عزّ وجلّ قد هدى بهذا المعنى جميع الناس، كما في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس} [البقرة: 185]؛ والثانية فيها التوفيق للهدى، واتباع الشريعة، كما في قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتقين} [البقرة: 2] وهذه قد يحرمها بعض الناس، كما قال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17] : {فهديناهم} أي بيّنّا لهم الحق، ودَلَلْناهم عليه؛ ولكنهم لم يوفقوا.
3)   ومن فوائد الآية: أن الصراط ينقسم إلى قسمين: مستقيم، ومعوج؛ فما كان موافقاً للحق فهو مستقيم، كما قال الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه} [الأنعام: 153]؛ وما كان مخالفاً له فهو معوج.

القرآن:) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)

التفسير: قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} عطف بيان لقوله تعالى: {الصراط المستقيم}؛ والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً (النساء: 69).

قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم}: هم اليهود، وكل من علم بالحق ولم يعمل به.

قوله تعالى: {ولا الضالين}: هم النصارى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من عمل بغير الحق جاهلاً به.

وفي قوله تعالى: {عليهم} قراءتان سبعيتان: إحداهما ضم الهاء؛ والثانية كسرها؛ واعلم أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أيدي الناس لا تنبغي القراءة بها عند العامة لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن العامة إذا رأوا هذا القرآن العظيم الذي قد ملأ قلوبهم تعظيمه، واحترامه إذا رأوه مرةً كذا، ومرة كذا تنزل منزلته عندهم؛ لأنهم عوام لا يُفرقون.

الوجه الثاني: أن القارئ يتهم بأنه لا يعرف؛ لأنه قرأ عند العامة بما لا يعرفونه؛ فيبقى هذا القارئ حديث العوام في مجالسهم.

الوجه الثالث: أنه إذا أحسن العامي الظن بهذا القارئ، وأن عنده علماً بما قرأ، فذهب يقلده، فربما يخطئ، ثم يقرأ القرآن لا على قراءة المصحف، ولا على قراءة التالي الذي قرأها. وهذه مفسدة.

ولهذا قال عليّ: "حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذب الله، ورسوله"(1).
وقال ابن مسعود: "إنك لا تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(2).
وعمر بن الخطاب لما سمع هشام بن الحكم يقرأ آية لم يسمعها عمر على الوجه الذي قرأها هشام خاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهشام: "اقرأ"، فلما قرأ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت"، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "اقرأ"، فلما قرأ قال النبي صلى الله عليه وسلم "هكذا أنزلت"(3).
لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فكان الناس يقرؤون بها حتى جمعها عثمان رضي الله عنه على حرف واحد حين تنازع الناس في هذه الأحرف، فخاف رضي الله عنه أن يشتد الخلاف، فجمعها في حرف واحد. وهو حرف قريش؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن بُعث منهم؛ ونُسيَت الأحرف الأخرى؛ فإذا كان عمر رضي الله عنه فعل ما فعل بصحابي، فما بالك بعامي يسمعك تقرأ غير قراءة المصحف المعروف عنده! والحمد لله: ما دام العلماء متفقين على أنه لا يجب أن يقرأ الإنسان بكل قراءة، وأنه لو اقتصر على واحدة من القراءات فلا بأس؛ فدع الفتنة، وأسبابها.

الفوائد:
1)   من فوائد الآيتين: ذكر التفصيل بعد الإجمال؛ لقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}: وهذا مجمل؛ (صراط الذين أنعمت عليهم): وهذا مفصل؛ لأن الإجمال، ثم التفصيل فيه فائدة: فإن النفس إذا جاء المجمل تترقب، وتتشوف للتفصيل، والبيان؛ فإذا جاء التفصيل ورد على نفس مستعدة لقبوله متشوفة إليه؛ ثم فيه فائدة ثانية هنا: وهو بيان أن الذين أنعم الله عليهم على الصراط المستقيم.
2)   ومنها: إسناد النعمة إلى الله تعالى وحده في هداية الذين أنعم عليهم؛ لأنها فضل محض من الله.
3)   ومنها: انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم؛ وقسم مغضوب عليهم؛ وقسم ضالون؛ وقد سبق بيان هذه الأقسام.
وأسباب الخروج عن الصراط المستقيم: إما الجهل؛ أو العناد؛ والذين سببُ خروجهم العناد هم المغضوب عليهم. وعلى رأسهم اليهود؛ والآخرون الذين سبب خروجهم الجهل كل من لا يعلم الحق. وعلى رأسهم النصارى؛ وهذا بالنسبة لحالهم قبل البعثة. أعني النصارى؛ أما بعد البعثة فقد علموا الحق، وخالفوه؛ فصاروا هم، واليهود سواءً. كلهم مغضوب عليهم.
4)   ومن فوائد الآيتين: بلاغة القرآن، حيث جاء التعبير عن المغضوب عليهم باسم المفعول الدال على أن الغضب عليهم حاصل من الله تعالى، ومن أوليائه.
5)   ومنها: أنه يقدم الأشد، فالأشد؛ لأنه تعالى قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين؛ فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه. بخلاف المخالف عن جهل.

وعلى كل حال السورة هذه عظيمة؛ ولا يمكن لا لي، ولا لغيري أن يحيط بمعانيها العظيمة؛ لكن هذا قطرة من بحر؛ ومن أراد التوسع في ذلك فعليه بكتاب "مدارج السالكين" لابن القيم رحمه الله.



الهوامش:


(1) أخرجه البخاري ص14، كتاب العلم، باب 49: من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، رقم 127.
(2) أخرجه مسلم ص675، مقدمة الكتاب، رقم 14.
(3) أخرجه البخاري ص189، كتاب الخصومات، باب 4: كلام الخصوم بعضهم في بعض، حديث رقم 2419؛ وأخرجه مسلم ص805 - 806، كتاب صلاة المسافرين، كتاب فضائل القرآن وما يتعلق به، باب 48: بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناها، حديث رقم 1899 [270] 818.


تفسير سورة الفاتحة "الآية الثالثة والآية ارابعة" (ابن عثيمن)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أخواتي؛ "سورة الفاتحة" نقرؤها في كل صلاة وقد لا يعرف بعضنا معنى آياتها لذلك قررت أن تكون البداية من "سورة الفاتحة" وقد اخترت "تفسير الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله لِمَا فتح الله عليه به من معان في تفسيره للقرآن الكريم.
فمرحبا بتعاليقكم وآرائكم والله الموفق لأقوم سبيل.

الدرس الثالث من دروس التفسير
تفسير سورة الفاتحة "الآية الثالثة والآية ارابعة" (ابن عثيمن)
القرآن: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

القرآن: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)

التفسير: قوله تعالى: {مالك يوم الدين} صفة لـ {الله}؛ و{يوم الدين} هو يوم القيامة؛ و{الدين} هنا بمعنى الجزاء؛ يعني أنه سبحانه وتعالى مالك لذلك اليوم الذي يجازى فيه الخلائق؛ فلا مالك غيره في ذلك اليوم؛ و"الدين" تارة يراد به الجزاء، كما في هذه الآية؛ وتارة يراد به العمل، كما في قوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} [الكافرون: 6]، ويقال: "كما تدين تدان"، أي كما تعمل تُجازى.

وفي قوله تعالى: {مالك} قراءة سبعية: {مَلِك}، و"الملك" أخص من "المالك".
وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ ملِك.

الفوائد:
1)   من فوائد الآية: إثبات ملك الله عزّ وجلّ، وملكوته يوم الدين؛ لأن في ذلك اليوم تتلاشى جميع الملكيات، والملوك.
فإن قال قائل: أليس مالك يوم الدين، والدنيا؟
فالجواب: بلى؛ لكن ظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه، إنما يكون في ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى ينادي: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى: {لله الواحد القهار} [غافر: 16] ؛ في الدنيا يظهر ملوك؛ بل يظهر ملوك يعتقد شعوبهم أنه لا مالك إلا هم؛ فالشيوعيون مثلاً لا يرون أن هناك رباً للسموات، والأرض؛ يرون أن الحياة: أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ وأن ربهم هو رئيسهم.
2)   ومن فوائد الآية: إثبات البعث، والجزاء؛ لقوله تعالى: (مالك يوم الدين).
3)   ومنها: حث الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون

القرآن:) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

التفسير: قوله تعالى: {إياك نعبد}؛ {إياك}: مفعول به مقدم؛ وعامله: {نعبد}؛ وقُدِّم على عامله لإفادة الحصر؛ فمعناه: لا نعبد إلا إياك؛ وكان منفصلاً لتعذر الوصل حينئذ؛ و{نعبد} أي نتذلل لك أكمل ذلّ؛ ولهذا تجد المؤمنين يضعون أشرف ما في أجسامهم في موطئ الأقدام ذلاً لله عزّ وجلّ: يسجد على التراب؛ تمتلئ جبهته من التراب. كل هذا ذلاً لله؛ ولو أن إنساناً قال: "أنا أعطيك الدنيا كلها واسجد لي" ما وافق المؤمن أبداً؛ لأن هذا الذل لله عزّ وجلّ وحده.

و"العبادة" تتضمن فعل كل ما أمر الله به، وترك كل ما نهى الله عنه؛ لأن من لم يكن كذلك فليس بعابد: لو لم يفعل المأمور به لم يكن عابداً حقاً؛ ولو لم يترك المنهي عنه لم يكن عابداً حقاً؛ العبد: هو الذي يوافق المعبود في مراده الشرعي؛ فـ "العبادة" تستلزم أن يقوم الإنسان بكل ما أُمر به، وأن يترك كل ما نُهي عنه؛ ولا يمكن أن يكون قيامه هذا بغير معونة الله؛ ولهذا قال تعالى: {وإياك نستعين} أي لا نستعين إلا إياك على العبادة، وغيرها؛ و"الاستعانة" طلب العون؛ والله سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة، والاستعانة، أو التوكل في مواطن عدة في القرآن الكريم؛ لأنه لا قيام بالعبادة على الوجه الأكمل إلا بمعونة الله، والتفويض إليه، والتوكل عليه.

الفوائد:
1)   من فوائد الآية: إخلاص العبادة لله؛ لقوله تعالى: {إياك نعبد}؛ وجه الإخلاص: تقديم المعمول.
2)   ومنها: إخلاص الاستعانة بالله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {وإياك نستعين} ، حيث قدم المفعول.
فإن قال قائل: كيف يقال: إخلاص الاستعانة لله وقد جاء في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: آية 2] إثبات المعونة من غير الله عزّ وجلّ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة"؟(1).

فالجواب: أن الاستعانة نوعان: استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد على الله عزّ وجلّ، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ؛ واستعانة بمعنى المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حياً قادراً على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: آية 2).

فإن قال قائل: وهل الاستعانة بالمخلوق جائزة في جميع الأحوال؟

فالجواب: لا؛ الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز حيث كان المستعان به قادراً عليها؛ وأما إذا لم يكن قادراً فإنه لا يجوز أن تستعين به: كما لو استعان بصاحب قبر فهذا حرام؛ بل شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يغني عن نفسه شيئاً؛ فكيف يعينه!!! وكما لو استعان بغائب في أمر لا يقدر عليه، مثل أن يعتقد أن الوليّ الذي في شرق الدنيا يعينه على مهمته في بلده: فهذا أيضاً شرك أكبر؛ لأنه لا يقدر أن يعينه وهو هناك.

فإن قال قائل: هل يجوز أن يستعين المخلوقَ فيما تجوز استعانته به؟

فالجواب: الأولى أن لا يستعين بأحد إلا عند الحاجة، أو إذا علم أن صاحبه يُسَر بذلك، فيستعين به من أجل إدخال السرور عليه؛ وينبغي لمن طلبت منه الإعانة على غير الإثم والعدوان أن يستجيب لذلك.

الهوامش:

(1)            أخرجه البخاري ص232، كتاب الجهاد، باب 72: فضل من حمل متاع صاحبه  في السفر حديث رقم 2891؛ وأخرجه مسلم ص837، كتاب الزكاة، باب 16: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، حديث رقم 2335 [56] 1009، واللفظ لمسلم.

تفسير سورة الفاتحة "الآية الأولى والآية الثانية" (ابن عثيمن)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أخواتي؛ "سورة الفاتحة" نقرؤها في كل صلاة وقد لا يعرف بعضنا معنى آياتها لذلك قررت أن تكون البداية من "سورة الفاتحة" وقد اخترت "تفسير الشيخ ابن عثيمين" رحمه الله لِمَا فتح الله عليه به من معان في تفسيره للقرآن الكريم.
فمرحبا بتعاليقكم وآرائكم والله الموفق لأقوم سبيل.

الدرس الثاني من دروس التفسير
تفسير سورة الفاتحة "الآية الأولى والآية الثانية" (ابن عثيمن)
القرآن: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)


القرآن: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

التفسير: قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} : {الحمد} وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله؛ ولا بد من قيد وهو "المحبة، والتعظيم"؛ قال أهل العلم: "لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى مدحاً"؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئاً؛ تجد بعض الشعراء يقف أمام الأمراء، ثم يأتي لهم بأوصاف عظيمة لا محبة فيهم؛ ولكن محبة في المال الذي يعطونه، أو خوفاً منهم؛ ولكن حمدنا لربنا عزّ وجلّ حمدَ محبةٍ، وتعظيمٍ؛ فلذلك صار لا بد من القيد في الحمد أنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ و "أل" في {الحمد} للاستغراق: أي استغراق جميع المحامد.

وقوله تعالى: {لله} : اللام للاختصاص، والاستحقاق؛ و "الله" اسم ربنا عزّ وجلّ؛ لا يسمى به غيره؛ ومعناه: المألوه. أي المعبود حباً، وتعظيماً.

وقوله تعالى: {رب العالمين} ؛ "الرب": هو من اجتمع فيه ثلاثة أوصاف: الخلق، والملك، والتدبير؛ فهو الخالق المالك لكل شيء المدبر لجميع الأمور؛ و {العالمين} : قال العلماء: كل ما سوى الله فهو من العالَم؛ وُصفوا بذلك؛ لأنهم عَلَم على خالقهم سبحانه وتعالى؛ ففي كل شيء من المخلوقات آية تدل على الخالق: على قدرته، وحكمته، ورحمته، وعزته، وغير ذلك من معاني ربوبيته.

الفوائد:
1-   من فوائد الآية: إثبات الحمد الكامل لله عزّ وجلّ، وذلك من "أل" في قوله تعالى: {الحمد} ؛ لأنها دالة على الاستغراق.
2-   ومنها: أن الله تعالى مستحق مختص بالحمد الكامل من جميع الوجوه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات"؛ وإذا أصابه خلاف ذلك قال: "الحمد لله على كل حال" [53].
3-   ومنها: تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية؛ وهذا إما لأن "الله" هو الاسم العَلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط.
4-   ومنها: عموم ربوبية الله تعالى لجميع العالم؛ لقوله تعالى: (العالمين).


القرآن: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

التفسير: قوله تعالى: {الرحمن الرحيم} : {الرحمن} صفة للفظ الجلالة؛ و {الرحيم} صفة أخرى؛ و {الرحمن} هو ذو الرحمة الواسعة؛ و {الرحيم} هو ذو الرحمة الواصلة؛ فـ {الرحمن} وصفه؛ و {الرحيم} فعله؛ ولو أنه جيء بـ "الرحمن" وحده، أو بـ "الرحيم" وحده لشمل الوصف، والفعل؛ لكن إذا اقترنا فُسِّر {الرحمن} بالوصف؛ و {الرحيم} بالفعل.

الفوائد:
1-   من فوائد الآية: إثبات هذين الاسمين الكريمين. {الرحمن الرحيم} لله عزّ وجلّ؛ وإثبات ما تضمناه من الرحمة التي هي الوصف، ومن الرحمة التي هي الفعل.
2-   ومنها: أن ربوبية الله عزّ وجلّ مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة؛ لأنه تعالى لما قال: {رب العالمين} كأن سائلاً يسأل: "ما نوع هذه الربوبية؟ هل هي ربوبية أخذ، وانتقام؛ أو ربوبية رحمة، وإنعام؟ " قال تعالى: {الرحمن الرحيم}.